علم السياسة والدِّين

للسياسة اليوم علوم تدرَّس في الجامعات، وفيها متخصصون يرجع لهم اليوم في قضاياها، ولدينا منهم عدد لا بأس به حصلوا في هذه العلوم على أعلى الدرجات في أفضل جامعات العالم، والذين يتخصصون منهم في القانون يدرسون جواره شيئًا من علم السياسة، وكذا الذين يدرسون علم الاجتماع، وعندهم علم يُسمَّى علم الاجتماع السياسي، وفي كلياتنا الشرعية ندرّس علمًا بعنوان: «السياسة الشرعية»، وضممنا إليه علمًا سمّيناه الاقتصاد الإسلامي، وقد ألف علماؤنا وفقهاؤنا الأقدمون مصنّفات في الحكم، ومنها ما اُعتني بالإدارة مثل «الأحكام السلطانية، والولايات الدينية» للقاضي الشافعي أبي الحسن علي بن محمد الماوردي، ومثله، وعلى نمطه ما ألّفه القاضي الحنبلي أبو يعلي محمد بن الحسين الفراء، ومنها ما ألّفه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، تحت عنوان: «الغياثي»، ومنها كتاب «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية» لأبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية، ومثل كتاب «الأموال» لأبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب «الأموال» لحميد بن زنجويه، ومنها كتب اعتنت بموارد الدولة كالكتابين السابقين، ومعهما كتاب «الخراج» لأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم تلميذ أبي حنيفة، ثم ما حفلت به الكتب الحديثية والفقهية في الأبواب عن الخلافة والإمارة والقضاء والزكاة والأموال والحسبة، وقد صنّف العلامة الشيخ عبدالحي الكتاني كتابًا بعنوان: (نظام الحكومة النبوية المسمّى التراتيب الإدارية)، وقد قامت للإسلام دول منذ عهد النبوة، ثم عهد الخلفاء الراشدين، ومن جاء بعدهم من الدول كالدولتين الأموية والعباسية، ثم ما كان من الممالك والسلطنات الإسلامية في مختلف الديار الإسلامية، وساد نوع من الحكم راعى جانبي الدنيا والدّين، ولم يطرأ على ذهن أحد الفصل بينهما، فالدنيا يعيش فيها الناس، ويحتاجون لضبط حركتهم فيها، والدِّين ينظم هذه الحركة بنص واجتهاد، والذين يطبقون ذلك بشر قد يصيبون أحيانًا، وقد يخطئون أحيانًا، ولا أحد منهم يدّعي العصمة أبدًا، ولكن النقص لدى أمتنا الإسلامية في علم السياسة ناتج عن فترة ركود طويلة، حيث إننا لم نُطوِّر علمًا عصريًّا، حتى ولو اعتمدنا في أسسه على الدِّين، وليس ذلك بعيب، واحتجنا اليوم أن نستفيد من تجارب الأمم من حولنا، فننظر فيما أبدعوا من العلوم ونأخذ به، إذا لم يخالف أحكام ديننا، دون زعم بأننا لا نحتاج إلى أحد، وأن ما لدينا يكفينا، فهل نفعل؟! هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: