جودة الحياة.. بين الترفيه والعمل الجيد

لا أحد في هذه الدنيا، حتى الإنسان الذي بلغ من العمر أرذله، يكره أن يترفَّه في حياته، فالحياة لا تكون جدًا كلها، كما أنها لا تكون مجرد ترفيه فقط، بل هي خليط منهما معًا، عمل جيد يوفر للإنسان المال الذي يصرف على ترفهه في الحياة، ولو اقتصر على أحدهما فقط، فقد أضر بنفسه ولاشك، وإذا سعت الدولة أن توفر لمواطنيها العمل الذي خلق من أجله العباد، والذي أوله العبادة الشعائرية من صلاة وصوم وذكر وحج وقيام ليل، وكل ألوان الطاعات، والعمل بإخلاص في دنياه، فهي مزرعة آخرته، وشحنها بالعمل الذي يُوفِّر له كل ما يرغبه من ثروة، ومن ترفيه بكل ألوانه البريئة والمباحة ضرورة، فتلك هي الغاية المثلى التي تسعى لها الحكومات والشعوب، ولا أظن في هذا الكون عاقلًا يرفض أن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدًا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدًا، وبينهما يشحذ نشاطه بشيء من الترفيه، يعيده إلى الجاد من الحياة وقد اكتمل نشاطه، فلا أحد يستطيع أن يعمل وقته كله، كما لا تجد في هذه الحياة من لا يعمل أصلًا، ويتفرغ لأنشطة ترفيه متنوعة ليله مع النهار، بل إن البشرية كلها سنت قوانين للعمل، وأخرى للترفيه، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، لأن الإنسان في حاجة إليهما معًا، وإن كان بعض منّا ظل ينظر الزمن كله أن الحياة عمل فقط، وأن الترفيه بكل ألوانه محرم، فقد أخطأ في حق بلده ومواطنيها، وهو حتمًا لا يعمل أبدًا، بل لعله يدعو للعمل ولا يعمل، ويحرم الترفيه وحياته أشبه بترفيه دائم، والذين يتحدثون اليوم عن فئة تقول: إن كل ما تعلنه الدولة من برامج لجودة الحياة تعتمد الترفيه واللهو فقط، غير صادقين، ولا أظن أحدًا يعلن ذلك، وإن كان الردود عليه في الصحف ووسائل التواصل حجمها هائل، كما أن من يدعون أن تشتمل الحياة على الترفيه، وأن الترفيه من جودة الحياة، صادقون، ولكنهم حتمًا لا يقولون أن تكون الحياة مجرد ترفيه ولهو، ومن دعا إلى ذلك فهو بلاشك مجنون، والاعتدال هو ما كنا نسعى إليه وندعو إليه منذ زمن طويل، والاعتدال يقتضي أن الحياة تحتوي على نشاطٍ وعمل، وترفيهٍ وترويح في آن معًا، وهكذا عاش البشر كلهم بمختلف ثقافاتهم وأديانهم يفعلون ذلك، فاتركوا سادتي الجدل العقيم الذي لا ينتج عنه شيء مفيد في الحياة، واصرفوا الجهد كله لأن ترتقوا بوطنكم وأهله، عملًا وترفيهًا معًا، واحذروا أن تظنوا أن كل ترفيه محرم، أو أن كل دعوة للعمل تشدد أو غلو، فكلاهما ضروري للحياة، ولن يصغى الناس لمن يحرم عليهم العمل ويبيح لهم الترفيه فقط، ولن يصغوا لمن يحرم عليهم الترفيه ويوجب عليهم العمل فقط.

معلومات التواصل

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

لا حياة إلا بطاعة الله

الحياة في الدنيا لا يمكن أن تكون قوية إلا مع الطاعة، فالطاعة هي ما تجعل …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: