المحرض الأساس على التطرف والإرهاب

الحمد الله رب العالمين, الذي جعل أتباع هذا الدين (الاسلام) أمة واحدة دون الناس, وصرفهم عن الفرقة بتشريع محكم, ما اتبع إلا ونجت الأمة, وأصلى وأسلم على سيدنا رسول الله – صلى الله علية وسلم, الذي جمع الأمة على الهدى وحذرها من الفرقة وبعد: فهذا ملخص بحث أعددته لمؤتمر الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف عنوانه:

[المحرض الأساس على التطرف والإرهاب]

الشريف عبدالله فراج
الشريف عبدالله فراج

وهذا البحث يتحدث عن أهم المحرضات على شيوع التطرف والإرهاب بين أفراد وجماعات من المسلمين في عصرنا الحاضر, ويرى أنه الغلو في الدين, الذي حرمه الله ورسوله – صلى الله علية وسلم – بنصوص واضحة جلية, فيعرفه في اللغة والاصطلاح, ويحدد ما يتناوله من مفردات, حيث يرى أنه مجاوزة الجد المطلوب شرعاً ودلالة على الأحكام نصاً واستنباطاً, ومعرفة لمقاصد الشريعة وغاياتها ويبحث موثقا ما يلي:
أولاً: الصلة بين الغلو والتطرف والتشدد والإرهاب, محدداً ما يدل كل منها عليه, وارتباطه بالألفاظ الأخرى منها, ما كان منها باعثاً وما كان له ثمرة.

ثانياً: يبحث عن أسباب هذا الغلو في الدين المؤسس للتطرف والإرهاب ويفصل أسبابه العامة والخاصة:
أ-فمن العامة: شيوع منهج متبع, يعتمد الاستبداد بالرأي والاجتهاد, وحصر الدين في مايؤول إليه هذا الاجتهاد وتزكيته, مع عدم قبول اجتهاد غيره, وان توفرت له الشرعية بتوافر الشروط والأسباب, وهذا هو علة كل انحراف ظهر في أتباع هذا الدين الحنيف, فظن أصحابه أنهم الناجون وحدهم, وحكموا على غيرهم من أتباعه بالهلاك بدءاً من الخوارج في الصدد الأول ومروراً بكثير من الفرق التي ضلت عن طريق الهدى, وحتى يوم الناس هذا , وملامح هذا المنهج:
1- الفهم الخاطئ لقضية افتراق الأمة الواردة في النصوص, حيث يحصر الفرقة الناجية في أتباعه والمؤمنين به, ويجعل سائر الأمة هالكة محكوم عليها بدخول النار, وان تكاثرت النصوص الدالة على خلاف ما يقول.
2- حصر العلم والفتوى والرأي والاجتهاد في فئة مخصوصة, لها أوصاف متداولة معلومة, تنطبق على الكثيرين ممن ينسبون إلى العلم, ويراد بها عند أتباعه بعضهم فقط.
3- طرح قواعد ومبادئ تثير الإعجاب وتلقى قبولاً عاماً, ولكنها لا تتبع, والأخذ بها لا يكون إلا في اتجاه واحد, مثل القول أن الفتوى غير ملزمة, وان حكم القضاء هو الملزم, ومثل القول: كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله-صلى الله علية وسلم-وانه لا عصمة لأحد, وكلنا راد ومردود علية, وهكذا.
4- بناء قبول الرأي والاجتهاد على الانتماء للمنهج والمذهب وعدم قبول ما يخالفه,.
5- الاستعانة بشتى الأساليب المشروع منها وما لا يشرع لفرض هذا المنهج على الناس.
ب- ومن هذه الأسباب العامة: الركون إلى الجمود وكراهية التجديد, حيث كلما ظهرت دعوة للتجديد في أمر الدين أو الدنيا واجهتها عاصفة من الرفض, لتسرب وهم إلى أذهان الرافضين أن هذا يراد به هدم الدين أو تنحيته عن الحياة, ومن ذلك انبثق التصنيف المعتمد على الاتهام الذي لا يقوم على دليل, فأصبح يحارب المجددون بتصنيفهم بعلمانيين أو عصرانيين أو ما شابة ذلك.
ج- ومنها شيوع أساليب في الدعوة والوعظ منفرة كالتكفير الذي شاع في الخطب والمواعظ سواء استهدف فرقاً أسلامية أم أفرادا أو جماعات سياسية أو فكرية, مما يوجد شرخاً لا يلتئم بسهولة في المجتمع, الذي يصبح بعضه عدو لبعض, ويؤسس لفتن غابت عن المجتمعات المسلمة حينما انشغلت بمشكلات عصرها.
د- ومنها الدعاء حتى في خطب الجمعة وفي القنوت في صلاة القيام في رمضان والدعاء المبتدع في الصلاة عند ختم القران على غير المسلمين من كفار ومنافقين, بل وتطور الأمر إلى الدعاء على عصاه الأمة, أو ما يتصور الداعي أنهم عصاه, وكأن هذا شرط للخطب والمواعظ لا تصح إلا به.
ه- ومنها تهويل المشكلات سواء أكانت حقيقية أو موهومة, والادعاء أن لها خطراً عظيماً على الإسلام منذراً بمحاربته وحصره في المسجد, ومثل الزعم أن هناك مؤامرة لإغراق المجتمع المسلم بالفساد عبر الفضائيات أو بصدور روايات مثيرة للجدل, أو ظهور مقالات تناقش قضايا الحريات أو قضايا فكرية معاصرة, مع تفصيل لكل هذا وضرب أمثلة موثقة.
و- ومنها شيوع تنظيمات لاجتماعات في مواقع مختلفة في المتنـزهات, خاصة منها ما كان خارج المدن, تستهدف المراهقين لتحشو أذهانهم بأفكار تدفعهم لكراهية المجتمع وكل ما فيه, وقد كانت لها صوراً في الماضي حذر منها العقلاء فلم يلتفت إلى تحذيرهم, حتى آلت الأمور إلى ما آلت إلية من التفجيرات التي وقعت قبل زمن ليس بالقليل.
ي- ومن الخاصة التي ترجع إلى المنظرين إلى هذا المنهج و الداعين إليه, وهم يشتركون في سمات عامة يفصلها البحث وهي حب الظهور واكتساب الشهرة, الذي يقود إلية العجب الذي نهى عنه الشرع, وتزكية النفس, حتى لا يرى فيه عيباً يجب أن يصلح, وحيث يرضى عن نفسه, وتصبح غايته البحث عن عيوب الآخرين وتضخيمها لدفع كل نقيصة عن نفسه وإلصاقها بغيرة, وفي هذا العصر ظهر الولع المدمر بالزعامات وأمارات الجماعات وقيادتها التي أدت إلى كل الشرور.

ثالثاً: أسباب أخرى مساندة:
بين يدي الأسباب: وجود التيارين المتعارضين المتشدد والمتساهل يغذى الواحد منهم الأخر, في كل الأزمنة وعبر كل الأمكنة, ففي عصورنا الإسلامية عندما شاع الانحطاط وظهر الفساد, فابل ذلك ظهور تيار متشدد غال قوى, وان كان ذلك الواقع لا يحب القبول به إن حدث, فمواجهة التيارين لخطرهما واجبة عقلاً وشرعاً, فلا يهدم الحياة في المجتمع الإنساني إلا هذا التصارع المذموم المبنى على أهواء النفوس.
ولكن التطرف والإرهاب له أسباب أخرى يجب أن نلم بها أيضاً, ونبين ارتباطها بما ذكرنا من قبل ومنها:
1- غياب حرية التعبير التي تكفل للناس أن يفصحوا عن ما يفكرون فيه, فما يظل حبيس الصدور والأذهان من الأفكار أن لم يتح له أن يظهر في العلن فقد ينقلب إلى فعل سري مدمر, واصل الحركات السرية التي كانت لها ثورات كبرى ترجع في الأساس لمنع أهلها من أن يعلنوا عن ما يفكرون به ويظنونه الأقوم والأفضل, فالفكرة إذا ظهرت إلى العلن أمكن اكتشاف صحتها من خطئها وعولج أثرها, وهذا الأمر لابد أن يلتفت إلية حتى يمكن أن يعم السلم الاجتماعي.
2- غياب العدل أو بعض صوره, في التقاضي بين الناس عند الخصومات, وفي توفير الحقوق المعتبرة شرعاً للأفراد, وإلزامهم بالواجبات بمساواة تامة, متضمناً هذا القضاء على الفقر والمظالم مما يحقق رضاً عاماً يغيب معه التفاوت المؤدي إلى الاضطراب.

3- غياب الفرص المتساوية للشباب لإتمام دراساتهم التي تعدهم للعمل الذي يلاءم قدراتهم, ثم توفير فرص العمل لهم بالعدل بينهم, لان هذا الغياب يولد لديهم فراغاً يسده المنظرون والممولون للإرهاب والعنف.
والله ولي التوفيق

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

لا دولة دينية في الإسلام

مقدمة [ تمهيد ] المشكلة الأهم في الطرح الإسلامي التنظيري اليوم هي عدم وجود التوافق …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: