اللقاء الأول لخريجي الأزهر

عندما شرعت جامعة الأزهر في الإعداد للقاء الأول لخريجي الأزهر من جميع بلاد العالم، التي يتواجد فيها خريجون أتموا دراساتهم في الأزهر، ثم انطلقوا لممارسة أدوارهم في الحياة، مستخدمين ما تعلموه في مواجهة المشكلات، لم أكن انتظر أن أجد بينهم من يعملون في شتى ميادين الحياة، فالذهن ينصرف إلى أن مهام خريجي الكليات والمعاهد التي تعلم الدين محدودة، ولكني وجدت بينهم من عملوا في شتى مجالات الحياة، بدءا من التدريس والوعظ والإرشاد وحتى تولى منصب رئاسة الدولة، وتصورت لو أن الأزهر قد استفاد من تواجد هؤلاء في شتى أرجاء الدنيا،

الشيخ عبدالله فراج الشريف

وفي مجالات متعددة، في دعم دوره في نشر ثقافة الاعتدال التي اشتهر بها، لكفانا مؤونة هذا العنف الذي مارسه ضالون عن الهدى في أقطار كثيرة من عالمنا الإسلامي، فدور العلم الشرعي إذا أحسن بثه بين أفراد المجتمع، في صورته الصحيحة المعتمدة على الدليل، أدى حتما إلى الاعتدال والتسامح، وقد استطاع الأزهر أن يغرس ثقافة الاعتدال والوسطية والتسامح في نفوس أبنائه المنتشرين في شتى أرجاء العالم، والذين حضر منهم في هذا الملتقى ما زاد عن المائتين، كانوا من أفذاذ الخريجين وبارزيهم، وقد تولوا في بلدانهم أعمالا مهمة ومارسوا أدوارا رائعة.
وهذا ما جعلني اليوم اكتب عن الكليات الشرعية ودورها، والتي يجب أن تمارس دورا فاعلا في المحافظة على أمن المجتمع وأمانه بما تبثه من علم شرعي يحث على الاعتدال والتسامح، ويبث قيم الإسلام المثلى في الحرية والعدل والمساواة، وان تصقل المواهب البشرية بما في هذا الدين الحنيف مما يدفع إلى الإنجاز والإتقان وان تدفع الناس بما تحدثهم عنه أن يحسنوا التعامل في ما بينهم، ويفي كل منهم لصاحبه إذا أسدى إليه معروفا. وتصرفهم عن الاشتغال بالاختلافات غير المجدية، والتي توغر الصدور، وتولد الأخطاء، وتزرع الكراهية والبغضاء بين الناس، ويوم أن تعي المعاهد والكليات الشرعية دورها الفاعل في نشر الإسلام بين الناس بقيمه وأحكامه، التي مرجعها كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة، فإنها حتما تستطيع أن تصنع الكثير من ما قد اسميه المعجزات، إذا تصورت أنها توحد مجتمعا، رائد أفراده العدل مع أنفسهم ومع من يعيشون بينهم، ورائدهم التكافل بينهم، فلا يبقى فيهم فقير، لان الغني أعطى الفقراء حقهم في ماله، وزاد عليه تطوعا من فائض ماله، ويوم أن يحسن الأب تربية أبنائه ويعدل بينهم، ويوم أن يرعى الزوج زوجته، فيعطيها كامل حقوقها ويزيد إحسانا من عنده، مع حسن معاملة لها يرقى به عن أنانية تفرضها النفس الأمارة بالسوء، وعن قسوة هي بقايا خلق رديء تفرضه بيئات جاهلة، وحينما يحدث المنتمون إلى هذه المعاهد والكليات الناس عن وصية سيد الخلق وخاتم الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بالنساء، وهي من وصاياه الأخيرة، فلا تعاني في مجتمعات المسلمين امرأة من ظلم رجل، وحينما يكون هؤلاء دعاة ومعلمين قد مارسوا دورهم الريادي في هداية الناس، فبثوا المودة بين الناس، حتى أصبحت المحبة هي السائدة بينهم، بما يعلمون من شرع الله ومنهجه، حيث لا يكتمل إيمان المرء إلا إذا أحب لغيره ما أحبه لنفسه، وحتى يبيت وليس في قلبه ضغينة لأحد، وحين يعلمون أن الوفاء بالحقوق من جوهر الدين، وان عدم الوفاء بها جريمة ومعصية كبيرة، يجب على المسلم أن يدرأها عن نفسه، أن قيم هذا الدين هي أمانة اليوم لدى هذه الكليات والمعاهد والجامعات الإسلامية، وان لم تستطع أن تجعلها سلوكا للناس ممارسا في حياتهم مؤثرا فيها فان من أشرفوا على هذا اللون من التعليم ومارسوه لم يحققوا مهمتهم الأصلية، التي هي تربية أفراد المجتمع على هذه القيم، فالدين حياة وزواله من حياة الناس موت بطيء، فالدين يربي النفوس لتكون كبيرة، تتعب في مرادها الأجساد، وتقديمه للناس في صورة منفرة تصدهم عنه جريمة لا تغتفر، كما إن إهدار قيمه وأحكامه من أعظم المصائب التي تعانى منها المجتمعات البشرية، ولعلنا اليوم نستدرك ما فاتنا فنعي إن هذه المعاهد والكليات الشرعية لها دور معتبر فنصلح أحوالها ونجعلها تقوم بدورها على أكمل وجه، فذاك ما نرجوه والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

لا حياة إلا بطاعة الله

الحياة في الدنيا لا يمكن أن تكون قوية إلا مع الطاعة، فالطاعة هي ما تجعل …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: