الحاجة إلى مشروع نهضة وطنية جاد

لقد بدأت بلادنا نهضتها نحو المستقبل في منتصف القرن الماضي, حينما استكملت وحدتها المباركة, في وقت كان تفتيت البلاد العربية هو مشروع كل الدول الاستعمارية آنذاك, ولكنا مثل كل البلاد العربية تعثرنا في الوصول إلى غايتنا المرجوة لعوامل معوقة للمشاريع الوطنية من الداخل في الغالب غير متعمدة, ويشرك فيها المواطنون وبعض المسئولين الذين كانوا قد وضعوا في مواضع لا تناسبهم وليسوا هم المناسبين لإدارتها, وأخرى من الخارج متعمدة تعويق نهضات الشعوب لقوى دولية متحكمة في العالم عبر سنوات, منذ تلك المعاهدة المشؤومة لتقسيم وطن العرب الكبير وحتى اليوم في ظل ممارسات سياسية واضحه ومنحازة ضد هذا الشعب العربي, يلمسها الجميع وليست في حاجة إلى إثبات, ولكن للعامل الداخلي الأثر الأكبر وإن كان غير مقصود, وهو العامل الذي نستطيع بجهدنا وإخلاصنا التغلب عليه, وبعد مضي كل هذا الزمان ما بين بدء النهوض ومراحله المتتالية ما بين إنجاز وتعثر إلا أننا اليوم في أمس الحاجة إلى أن نخطط لمشروع نهضة متكامل وقابل للتنفيذ, وأن تتم تنفيذه بجدية وإخلاص, وبأسرع وقت يمكننا أن نفعل ذلك فيه, وأن يبدأ مشروعنا بمجالات عدة لعل أولها وأهمها ولا شك التعليم الذي ظل يراوح مكانه زمنًا طويلا, وكل مشروعات النهوض به إن لم تفشل فحتى اليوم لم يظهر لها أثر في الواقع, ونحن على يقين أن مخرجاته غير مناسبه, بدليل أن مجالات الأعمال غالبها لا تجد منهم من يقوم بها, وتنبهنا لهذا الأمر ثم منذ زمن ليس باليسير, وكل أمة لا يمكنها أن تنهض إلا بتعليم حديث راقٍ يحقق للوطن غاياته في النهوض إلى مستقبل أفضل, وأن نتخلص من التبرير وأهله, فالتبرير لا يصلح الأخطاء ولا يزيل موطن الخلل, ولا يجب أن نغضب إذا قيل أن خطط التعليم ومناهجه ووسائله تحتاج إلى إصلاح, وأن تؤول أننا نتحدث عن فساد يجب القضاء عليه, فكم من خلل يقع وخطأ يرتكب دون أن يصاحبه فساد, وإذا وجد الفساد فالعقلاء يتفقون على ضرورة زواله, فالضرر في شريعة الله واجب زواله, فإذا استطعنا تجديد كل خططنا التعليمية لنواجه المستقبل بثقة أكبر نجحنا.
والمجال الثاني هو القضاء, وقد اعتمدت الدولة سبعة مليارات لتطوير جهازه وتحديثه, وحتى اليوم لم تظهر بوضوح آثار ذلك, ولعلنا أبقينا على القضاء أوضاعه مدة طويلة, فأجهزته وآلياته ونظمه احتاجت إلى التطوير, والتحديث من زمن طويل, حتى أصبحت الأطراف الأجنبية قد لا تثق به أحيانًا وتشترط عند الاختلاف التحاكم إلى محاكمها وقوانينها, ولأننا نحكم بالشريعة فقد يتوهم البعض منا أن تطبيقنا لها تنسحب عليه القداسة مثلها, لنظن أن كل تطبيقاتنا القضائية يجب أن تستمر على ماهي عليه, ونرفض كل تطوير لها أو تحديث, والإصرار على مثل هذا التفكير قد يجعل قضاءنا أسيرًا لهذه الأفكار فلا يتطور ولا تتحسن أنظمته, ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك, فحتى العقوبات غير المقدرة شرعًا, وأعني العقوبات غير القصاص والحدود, أي عقوبات التعزير والتي تحتاج إلى دراسة علمية اجتهادية تراعي واقع العصر وما يجري فيه, فلم يعد مقبولًا ألا يوجد عقوبة سوى الحبس والجلد, والذي قد يبالغ فيه حتى يبلغ حد آلاف الجلدات, والذي قد يشابه فيه العقوبة لكثير من الجنايات والجنح والمخالفات, فتقنين أحكام التعزيرات ظل هاجسًا للمنشغلين بالقضاء والمتخصصين في الشريعة زمنًا ليس باليسير, وظل دومًا الرفض له من البعض مستمرًا, مع أنه لو حدث تطوير القضاء ولجعل أحكامه أكثر عدلًا, ومعلوم بداهة أن أهم مقومات الدولة الحديثة قضاء راقي يوفر العدل للمتخاصمين, فيؤسس لاستقرار وأمن وأمان في ربوع كل وطن.
والمجال الثالث الصحة, فشعب صحيحة أبدان أفراده يرقون به ويعملون من أجله, ومجال الصحة في بلادنا اعتراه كثير من الضعف, ومستشفياتنا تعاني من كثير من المشكلات, والتعليم المرتبط بالصحة مثل كليات الطب والتمريض والصيدلة والطب المساعد, لم تستطع توفير الأعداد الكافية للقيام بالرعاية الصحية, والتأمين الصحي لا يزال في بداياته ويحتاج إلى إعادة نظر في نظمه وآلياته, وتنوع الجهات التي تقدم هذه الرعاية لها دور في ضعف هذه الخدمات ولا شك فيما يظهر الفروق بينها, منها ما تمتلك التمويل الذي ينهض بخدماتها, وأخرى لا تجد منه إلا القليل فيعجز عن إنجاز خدماته للمواطنين, ومالم نعد النظر في المنظومة الصحية لتعيد إليها القدرة على إنجاز الخدمات المطلوبة منها, فإن هذا الضعف ينعكس على المواطن, فالمواطن المريض لا يبني وطنًا.
والمجال الرابع هو قوة الدفاع الوطنية, والتي لا يجب ألا تقتصر على الجيش النظامي فقط, فنحن في حاجة إلى جيش الاحتياط, الذي يتكون من المواطنين الذي يقضون مدة في التدريب كخدمة عامة وطنية فيجندوا على مختلف حرفهم ومستوياتهم الثقافية, وفي ذلك تدريب للأفراد على الالتزام بخدمة الوطن, ويشعرهم بانتمائهم إليه, وليستدعوا وقت الحاجة فيسندوا القوات المسلحة في حالات الحروب, وأن تزداد أعداد الملتحقين بالجيش لتكوين قوة رادعة, تجعل كل من تسول له نفسه الاعتداء عن هذا الوطن أن يمتنع عن ذلك, قوة ترهب العدو حتى لا يفكر في الاعتداء علينا, وأن يتسلح الجيش بأحدث الأسلحة وهو اليوم يتسلح بالكثير منها.
والمجال الخامس تطوير قوات الأمن بمختلف أنواعها وتحديث أدواتها وآلياتها, وتدريب أفرادها تدريبًا حديثًا ليكون عملها أشد اتقانًا فتقوى تصديها لكل ما قد يهدد الوطن من جرائم ترتكب, وتؤثر على أمن الوطن, رغم أننا نحمد لها الكثير لتقوم به ونرجو أن يزداد قوة.
والمجال الأخير علاقتنا بالأمم من حولنا والتي يجب أن تتوحد الجهة التي ترسمها في وزارة الخارجة, وقبل ذلك في مجلس الوزراء, حتى لا يسئ أحد لعلاقتنا بالعالم, وأنا على ثقة أن مشروع نهضتنا الجاد قادم في عصر خادم الحرمين الشريفين وفقه الله, فهل أدركنا هذا هو ما نرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: