المبالغة في المديح والثناء

أن الله لا يرضى أن يبالغ أحد في مدح آخر مهما بلغ قدره, فقد سمع رسول الله رجلا يثنى على رجل ويطريه في المدحة فقال: {أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل}. وفي الحديث الآخر المتفق عليه أن رجلا ذكر رجلا, فأثنى عليه خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: أحسب كذا وكذا, إن كان يرى أنه كذلك, وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحدًا), وعن همام بن الحارث عن المقداد رضي الله عنه: أن رجلا جعل يمدح عثمان رضي الله عنه, فعمد المقداد فجثا على ركبتيه فجعل يحثو في وجهه الحصباء, فقال له عثمان: ما شأنك, فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب), والمديح ولا شك منه ما هو مباح إذا ذكرت في صاحبك الذي تثني عليه ما هو فيه, وتعلم يقينًا أنه لا يهتم للمديح والثناء سواء ذكر في وجهه أو في غيبته, ولا يجلب له غرورًا وعجبًا بنفسه, فتقصر على ما هو له أهل فهذا مباح, أما أن تبالغ في مدحه حتى يقودك ذلك أن تذكر من المحاسن ما ليس فيه, أو تغريه بعبارات تجعله بها فوق كل الناس, وأنه يصيب دائما ولا يقع منه خطأ أبدًا, وبذلك تزكيه على الله وهو وحده العالم به وبك, لا تغيب عنه جل جلاله محاسنكما ومعايبكما, وصلاحكما وهو يعلم ما أطعتم وما عصيتم, ولا أظن أن أحدًا من قادة هذه البلاد يوافق على ثناء من لون (أنه يتصف بعمق الرؤية ووضوح المواقف وإبصار ماكان … وما هو كائن … وما سيكون) وحتى إن حاجج من خط هذه العبارة أنها لم يقصد بها أن من وصفه بذلك يستحقها, فالعبارة توحي بأنه لا يخفى عليه شيئًا كان في الماضي وكائن اليوم وما سيكون في المستقبل, وأنه ذو قدرات خارقة, وقد أعتدنا من حكامنا حفظهم الله ورعاهم أنهم يكرهون أن يتحدثوا عن أنفسهم, ويتركون للناس أن يقدروا ما يقومون به لمصلحة بلادهم وشعبهم دون مبالغة, ولا أظنهم يطلبون من أحد أن يتحدث عنهم بهذه الصورة, وكل غلو حتى في الدين محرم فالله عز وجل يقول: (لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ), ولا أظن المؤمن حقا يرضى أن يغلو في مدحه والثناء عليه أحد, مهما كانت مكانته عند الله والناس, فليس بالمديح والثناء يبلغ الانسان المعالي, وإنما يبلغ المعالي الرجال بالفعل المخلص لله ثم للوطن, والناس يدركون ذلك ويحفظون له حسن فعله, فربنا عز وجل يقول: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ), وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من كل ثناء عليه يصدق قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبدالله ورسوله), وهو سيد المتواضعين, لم يحب أن يقوم له أصحابه, ومثل خادم الحرمين الشريفين في مكانته وما يعرفه عنه مواطنوه لا يحتاج من أحد أن يغلو فيه إلى هذا الحد, الذي نثره أحدهم على صفحات جريدة الجزيرة في 11/07/1434هـ وبالصورة التي ظهر عليها, وخادم الحرمين الشريفين لا أشك أنه لن يرضاه, وأن النهي عن الغلو في الثناء أمر واجب شرعًا, وهو يغلق باب يأتينا منه ما لا نريد أن نسمعه عنا في الخارج, فهذا النهي يحمي كل مسئول في هذا الوطن, فالمبالغة في الثناء سادتي ليست خيرًا بكل المعايير خاصة الشرعية منها, وهي الأولى باعتبار في بلد يطبق الشريعة ويلتزم بأحكامها, وأنا على يقين أن مثل هذا الثناء لا يؤثر على حكامنا كلهم فقد عهدنا منهم أن أفعالهم هي التي تتحدث عنهم, ولا حاجة بهم لأحد يغلوا في الثناء عليهم, وهم محل ثقة شعبهم وفقهم الله وسدد خطاهم, وهم سيعينون على الالتزام بما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أظنهم يرغبون بسواه, وهو ما نرجوه منهم والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: