لصوص الأراضي والعقارات

لابد من مواجهة أمثال هؤلاء وعدم السماح لهم باستغلال القضاء للحصول على أموال الناس بالباطل..

لصوص الأراضي والعقارات
تجد في المحاكم من يسمونهم «دعوجية» وهم أفراد تخصصوا في التوكيل للناس في رفع الدعاوى في المحاكم، هم كانوا مثلا موظفين في المحاكم، أو يعملون في كتابات العدل، كسبوا خبرة في التعامل القضائي داخل المحاكم، أو خبروا التواصل مع كتاب العدل، وكان الناس يعتبرونهم كالمحامين، يقومون بالنيابة عنهم بالترافع أمام القضاة، خاصة لمن يجهل كل شيء في هذا الباب، وهم كثيرًا ما ينجحون فيما يقومون به من عمل نيابة عن الآخرين، وبعضهم اليوم أصبحوا محامين ولا أدرى كيف أمكنهم ذلك، رغم أنهم لم يدرسوا الشريعة أوالقانون، ولا يملكون سوى الخبرة التي اكتسبوها بالعمل في المحاكم قبل تقاعدهم من العمل فيها أو طردهم من ساحاتها، ولكنهم اليوم طوروا أعمالهم، فبمعرفتهم المسالك داخل المحاكم استطاع بعضهم الاطلاع على السجلات فوجدوا صكوكًا إما لأموات تنبئ عن أملاك لهم لم يتصرفوا فيها، فيبحثون عن ورثتهم أو عن الضعفاء منهم، فيزينون لهم أن لكم أملاكًا مجهولة سأشتريها منكم وأدفع مالًا لم تتعبوا فيه ووكلوني فيما بقي لكم من إرث بقصد الاستيلاء على كل ما آل إليهم إرثًا من آبائهم وأجدادهم، فإذا تم له ما أراد باع ما استخلصه من أملاكهم بمئات الملايين، وقد أعطاهم الفتات بالقليل من المال الذي لا يزيد عن مئات الألوف، وينسى هذا المأفون أنه قد لا يكون لهؤلاء شركاء في إرثهم، سيوقفونه عند حده فضيع ما دفع، ولن يحصل على ما استعد للحصول عليه، أو إن حصل عليه سلب منه وأعيد لأصحابه، ولكن الخطر إذا كان هؤلاء الورثة ضعاف العقول ونساء يفرحهم أن يحصلوا على مال لا يد لهم في الحصول عليه، ولا يعرفون أن هذا الدعوجي من لصوص الأراضي والعقارات، والذين ينتشرون اليوم في سائر مدننا يترددون على المحاكم كل يوم، وكثير منهم تتضخم ثرواتهم بطريقة مفاجئة وملفتة للنظر، وقليل منهم من يكتشف أمره، رغم أن كل الشواهد حاضرة لكشف ما يقوم به من سرقات متوالية، ودومًا الضعفاء وحدهم هم الخاسرون، وكأن لا أحد في هذا الوطن يقوم بالاحتساب على مثل هؤلاء فينكر عليهم وهم يسلبون أموالاً هي في الأصل عائدة للحكومة، بمعنى أن ملكيتها عامة، أو لمن ضعف من المواطنين ويستولى عليها، ويستمتع بها مع من يساعده للحصول على هذه الأراضي والأملاك، ومعهم أناس تصل إلى أيديهم صكوك لأملاك الغير فيساوم أصحابها عليها فلا يعطيهم إياها إلا إذا شاركهم فيما تثبته من أملاك سواء أكانت أراضٍ بيضاء أو أملاكًا مقامة عليها استولى عليها أناس آخرون أم ظلت خرائب لا يعرف الناس لها مالكًا، وهي تعود إلى ورثة ضعاف يتركون لقمة سائغة لمثل هؤلاء، ولا نجد من كتاب العدل أو القضاة من يشك فيهم وهم يقيمون الدعاوى بين أيديهم لإثبات الأملاك لمن يرثها، ثم بيعها لنفسه بموجب توكيل غررّ به هؤلاء الورثة فلم يطلب منه أن يحضرهم ولو طالبه بذلك لانكشف أمره، فهو لا يريد أن يعلموا بمقدار أثمانها لأنه إنما أعطاهم الفتات ليوكلوه أو يبيعونه ما ورث، ثم يبيعهم بأضعاف أضعاف ما دفع لهم، لأنهم كانوا يجهلون حال هذه الأراضي أو العقارات، ويظنون أنه سعى لهم في أملاك يصعب إثبات ملكيتهم لها وهو الأمر غير الحقيقي، ولن نطالب مثل هذا وقد ضل عن الحق أن يخشى الله فلا يأكل أموال الضعفاء بالباطل، ولكنا نوجه خطابنا إلى العاملين في المحاكم ونذكر لهم أن مثل هذا منكر يجب الاحتساب عليه ومواجهة أمثال هؤلاء وعدم السماح لهم باستغلال القضاء للحصول على أموال الناس بالباطل، أعلم أن ذلك سيكلفهم وقتًا وبحثًا في قضايا معروضة عليهم ولكنه سيجعلهم ينتصفون للضعفاء الذين لا يستطيعون الوصول إلى حقوقهم بسهولة ولا يملكون من المال ما يدفعونه لمحامين قادرين على ملاحقة هؤلاء الظالمين واسترداد حقوقهم منهم، فالله عزوجل أمرنا بوظيفة لم تعطها أمة قبلنا فأهملتها إلا وعذبها الله على ذلك أليس يقول:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون)، فالإنكار على هؤلاء وكشفهم للقضاء احتسابًا لله عز وجل يمنع جريمة تقع كل يوم في محاكمنا، فإذا كان المنكرُ القاضي أو كاتب العدل كان الأمر أكثر نجاحًا وهاب الظالم أن يظلم وخشي أن يعاقب فأقر بمال غيره فسلم هو من العقوبة وعاد الحق لأصحابه، وعلى الناس ألا يتعاملوا مع أمثال هؤلاء فالراضي بالظلم كفاعله، وخير الناس من خشي الله وأمر بمعروف أو نهى عن منكر في مجال التعامل بين الناس، والذي تقع فيه الكثير من المظالم، فردع السارق بكشفه قبل أن تتم سرقته خدمة للمجتمع عظيمة، حيث يصبح السُراق يشعرون بالخطر ويتراجعون عما أعدوا له من الخطط لسرقة أموال الناس بالباطل، وهذا عندي أهم بكثير من ألوان الإنكار التي بعضها في غير محله مثل الإنكار فيما اختلف فيه، والأمل أن يعود مجتمعنا مجتمعًا بريئًا يتناصح أهله ولا يرضون أن تنتشر فيه المظالم، وهم مدعوون للتواصي بالحق والصبر وإنكار كل منكر فهل هم فاعلون هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عن عبدالله فراج الشريف

تربوي سابق وكاتب متخصص في العلوم الشرعية كلمة الحق غايتي والاصلاح أمنيتي.

شاهد أيضاً

صورة مقالات صحيفة المدينة | موقع الشريف عبدالله فراج

إذا تنكرت الدنيا للإنسان لمرض وانقطاع عن الناس

الإنسان ولا شك كائن اجتماعي لا تلذ له الحياة إلا بالاختلاط بسواه ممن خلق الله، …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: